تُعد ندوة جاكسون هول الاقتصادية حدثاً بارزاً يجمع صناع السياسات النقدية والاقتصادية حول العالم، ويُعقد سنوياً في أواخر أغسطس في متنزه غراند تيتون الوطني بولاية وايومنغ الأمريكية.
تنطلق الندوة في ٢١ أغسطس، وتُعتبر منصة اقتصادية رفيعة المستوى تُناقش فيها عادةً السياسات الاقتصادية العالمية التي تؤثر في الأسواق المالية.
وسيتجه التركيز الأساسي هذا العام إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، المقرر أن يلقي خطاباً في ٢٢ أغسطس، يتناول فيه ملامح توجه الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.
لمحة تاريخية عن ندوة جاكسون هول
انطلقت الندوة عام ١٩٧٨ بمبادرة من بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي. ومع مرور السنوات، تحولت من اجتماع محدود إلى منتدى عالمي معترف به للسياسات الاقتصادية.
فعلى سبيل المثال، عزز بول فولكر، الذي تولى رئاسة الفيدرالي في فترة السبعينيات بما عُرف بـ “التضخم الكبير”، مصداقية هذه الندوة. كما شهد عام ٢٠١٠ إعلان رئيس الفيدرالي الأسبق بن برنانكي عن إطلاق برنامج التيسير الكمي عقب تداعيات “الأزمة المالية الكبرى” عام ٢٠٠٨، وهو ما كان له تأثير هائل على الأسواق العالمية. ⁽١⁾
أهمية ندوة جاكسون هول
تزايدت أهمية الندوة مع تراكم التحديات الاقتصادية العالمية، حيث تواجه البنوك المركزية الكبرى، وعلى رأسها الفيدرالي، قرارات صعبة في موازنة السيطرة على التضخم مع دعم النمو الاقتصادي.
ومع بقاء التضخم فوق مستوى الفيدرالي المستهدف عند ٢٪، وظهور إشارات على ضعف سوق العمل، ترتفع حدة المخاطر. ولذلك ستراقب الأسواق عن كثب خطاب جيروم باول بحثاً عن إشارات تتعلق بالسياسة النقدية المقبلة، إذ قد تؤدي أي إشارة إلى تقلبات في الأسهم والسلع والعملات.
ماذا يُنتظر من خطاب باول؟
من المقرر أن يتحدث باول في ٢٢ أغسطس عند الساعة ١٨:٠٠ بتوقيت غرينتش+٤، في كلمة تحمل عنوان: “التوقعات الاقتصادية ومراجعة الإطار”. وستتابع الأسواق باهتمام شديد لمعرفة ما إذا كان باول سيلمح إلى خفض محتمل للفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل.
حالياً، يبلغ معدل الفائدة الفيدرالي بين ٤.٢٥٪ و٤.٥٪، وهو مستوى ما يزال يُعتبر مقيِّداً للنمو الاقتصادي بهدف خفض التضخم.
خلال الفترة الأخيرة، تبنى باول ومعظم زملائه نهج “الانتظار والترقب” تجاه السياسة النقدية. وتتركز مخاوفهم على احتمال استمرار مشكلة التضخم بعد أن رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية على الواردات. وحتى الآن لم تُترجم هذه الإجراءات إلى ارتفاع كبير في أسعار المستهلكين كما كان يُخشى، إلا أن التضخم الأساسي ارتفع في يوليو، وكذلك أسعار المنتجين.
ملاحظات باول قد تُسهم في توضيح الخطوات المقبلة للاحتياطي الفيدرالي في إدارة التوازن بين تفويضه المزدوج المتمثل في استقرار الأسعار وتحقيق أقصى قدر من التوظيف. وفيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة لخطاب باول:
- الإشارة إلى خفض الفائدة
قد يلمّح باول إلى خفض الفائدة في اجتماع سبتمبر، استجابةً لضعف تقرير الوظائف لشهر يوليو، حيث أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل تباطؤاً غير متوقع في نمو الوظائف خلال الصيف، ما أثار المخاوف بشأن ارتفاع البطالة.
- التحذير بشأن توقعات الخفض
قد يؤكد باول استمرار الضغوط التضخمية الناتجة عن الرسوم الجمركية، ما قد يدفعه إلى التحذير من توقعات خفض الفائدة في سبتمبر، مشدداً على أن التضخم لا يزال أعلى من هدف ٢٪.
- البقاء على الحياد
مع تضارب البيانات الاقتصادية، قد يتجنب باول إعطاء إشارات واضحة، متمسكاً بموقف حذر بانتظار المزيد من البيانات قبل اجتماع سبتمبر. وجدير بالذكر أنه في ندوة ٢٠٢٢ ركز على مكافحة التضخم، بينما في ٢٠٢٣ كان التركيز على دعم نمو الوظائف.
مفترق طرق للسياسات وتحديات للأسواق
لا يزال الاحتياطي الفيدرالي يواجه مخاطر جدية، إذ يظل التضخم فوق ٢٪ نتيجة الرسوم الجمركية، في حين تباطأ نمو الوظائف وارتفعت البطالة. ومن المتوقع أن يتطرق باول لهذه القضايا في ظل استمرار الفيدرالي في إدارة تفويضه المزدوج: استقرار الأسعار والتوظيف الكامل. كما ستشهد الندوة كلمات لكل من رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي في ٢٣ أغسطس.
وتترقب الأسواق المالية، إلى جانب إدارة ترامب، خفضاً للفائدة، غير أن رئيس الفيدرالي ما يزال متمسكاً بنهج يعتمد على البيانات، حيث إن أي خطوة خاطئة قد تقوّض عمل الفيدرالي.